?value=0&label=EDBeCP3rxAMQt5ey-gM&guid=ON&script=0

الأيديولوجيا

كراسة رقم 1- هيئة التضامن الشامل

الإقتصاد والعولمة والتضامن المتبادل

 

إن الواقع في أننا نتواجد اليوم في إطار أزمة عالمية على كافة أصعدة الحياة لم يعد أمرا ً يُقلق البعض القليل من الناس أو أنه أمر غير محسوس من العامة بل قد أصبح واقعاً حقيقياً ولا شك فيه. ففي يومنا هذا نرى أن مصطلح "العولمة" أصبح مصطلحاً شائعاً وغير محصور في مجال الأعمال والعلاقات بين شركات التمويل والبنوك والبورصة بل أنه يتخلل الآن كل أنواع الإرتباط والتعامل بين كافة أنواع الشركات العالمية التي تحرك الإقتصاد في كافة أنحاء العالم. مصطلح العولمة لم يعد يقتصر في إستخدامه في هذا المعنى فقط بل أنه يشمل الطبيعة بكاملها متضمنا ً الإنسان بما أنه جزء من هذه الطبيعة. فإن الإرتباط والتداخل لم يعد موضوع يشمل العلاقات المالية بين الدول بل أنه الآن بدأ يظهر في حتمية العلاقات بين المجتمعات والعلاقات بين الأفراد في كل مجتمع آخذا ً المقام الأول في الحياة الاجتماعية في كل مجتمع بشري في كل أرجاء العالم.

فإن التفكك في العلاقات بين البشر والناتج عن أنانية وجشع وكراهية الإنسان للآخرين أخذ ينعكس ليس فقط على صعيد رد فعل الطبيعة من حولنا في زيادة الأعاصير والبراكين والحرائق والمجاعات والهزات الأرضية العنيفة على نطاق واسع ولكن قد بدأ هذا ينعكس على العالم أجمع في مجال الإقتصاد العالمي بشكل مؤلم والذي في دوره بدأ يؤثر على العلاقات المتبادلة بين الدول وبين الأفراد في المجتمع الواحد والذي يتجلى في الصراع بين الشعب وحكومته في دول عدة.

فقد رأينا كيف بدأت الأحوال في التدهور في اليونان مما أدى إلى التظاهرات العنيفة والتي كان لها تأثيرا ً قامعا ً في إعلان الحكومة إفلاسها بالرغم من تمويل ومساعدات الإتحاد الأوروبي لها وكيفية تأثير هذا الموقف وإنعكاسه على الدول الأخرى في العالم. ففي إسبانيا والتي تتمخض من أوجاع التدهور الإقتصادي الذي ظهر في إقامة المتظاهرين في الخيم لمدة شهور حتى الآن يطلبون حل للأزمة من حكومتهم ولا يوجد ولا حتى وميض من الأمل في وجود حل لمعاناتهم. أعمال الشغب العنيفة التي إندلعت في المملكة المتحدة البريطانية والتي تزيد من تأزم الوضع الإقتصادي في البلاد, وصراع فرنسا في محاولتها في عمل تصليحات في عدة مجالات لإيجاد حل لإنقاذ إقتصادها من حالة التدهور الكامل وها هي تقف اليوم على حافت الإفلاس. موجة المظاهرات التي تجتاح بعض الدول العربية بسبب الأزمة وصعوبة المعيشة التي أدت بالمواطنين في أن يطالبوا في عزل حكومتهم مما أدى إلى إندلاع الحروب الداخلية في محاولة بعض الفئات القليلة من إستغلال الأزمة على الساحة العامة لمصالحهم الشخصية على حساب الشعب. وفي إسرائيل خرج المتظاهرون بأعداد هائلة لم يسبق لها مثيل من قبل مُحاولين بشكل سلمي مطالبة الحكومة في إيجاد حل للأزمات المعيشة التي يعاني منها الشعب . ومؤخرا ً دولة تشيلي وجدت نفسها في قائمة المتظاهرين, فحسب تقرير السي أن أن أكثر من ٦٠ ألف متظاهر إقتظوا في شوارع مدينة سانتياغو.

إذا حاولنا إمعان النظر في محاولة تحليل أسباب الأزمة آخذين كل دولة على حدى فإنه من السهل أن نرى في أن الأزمة ليست على الصعيد الإقتصادي فحسب ولكنها تشمل المجال الإجتماعي والإقتصادي والسياسي لكل بلد يشهد إستنفار الشعب ضد حكومته. ولكن هل الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الحالي هي فريدة من نوعها في تاريخ البشرية؟ إذا بحثنا في تاريخ البشرية نجد بأن العالم قد مَرَّ بظروف أصعب من التي نمر بها نحن الآن في هذا القرن من حروب ومجاعات وأوبئة وكوارث أخرى لا حصر لها ولكن كيف يختلف الوضع الآن عما كان عليه من قبل؟ نحن نشاهد الآن موجة الإحتجاج تجتاح كل طبقات المجتمع وفي كل دولة وعلى كافة الأصعدة فلماذا يحتج الجميع معا ً ولما الآن؟

السبب يكمن في بنية الطبيعة البشرية. لقد وصف كييث كامبل وجين توينج هذه الظاهرة في مقالة أصدروها في عام ٢٠٠۹ بموضوع "الحياة والعيش بقانون الإستحقاق الذاتي" وقد عبروا في بحثهم لمعرفة جذور الأزمة في أن العالم وصل إلى مرحلة ليست مزعجة فحسب بل إلى درجة خطيرة من محبة الذات والأنانية وليس هذا فقط بل أن أنانية الإنسان في تضاخُم مستمر مما يزيد القلق نحو إستمرار البشرية والحياة في هذا العالم . فإن أسلوب تعامل الإنسان النابع من حب الذات لديه يحتم عليه في أن يضع نفسه في المركز مقيما ً كل شيء بقيمة وكمية الفائدة التي تعود عليه لمنفعته الشخصية. هذا هو الأسلوب السائد في التعامل بين البشر في يومنا هذا وفي إرتباطنا مع العالم من حولنا. فكل إنسان منا يبني علاقاته مع الآخرين على مبدأ الإستحقاق الذاتي لكل شيء موجود في العالم . هذا الأسلوب مخالفا ً تماماً لطبيعة الأمر بوضعه الصحيح في كيفية إرتباط الإنسان بأخيه الإنسان وبالعالم من حوله وخاصة الآن في زمان العولمة الذي نعيش فيه وفي الوقت الذي يتجلى فيه وبوضوح إعتماد كل دولة على الأخرى لسد حاجاتها في تأمين مستوى حياة مقبول للسكانها. فإن سر النجاح كامن في الإيمان في الرغبة في داخل كل منا في العمل من أجل المنفعة العامة أي منفعة الآخرين بالقدر نفسه الذي يبغاه الشخص لنفسه. فإذا كنا مرتبطين ومعتمدين الواحد على الآخر ففي سعادة الآخر أجد سعادتي أنا وأما إذا كان الآخرون من حولي تعساء فبؤسهم وتعاستهم تنعكس عليّ أنا. وكما أظهر الدكتور والبروفسور نيكلس كريستاكس والدكتور جيمس فاولور مبرهنين في بحوثهم التي قاموا بها في مجال العلاقات الإنسانية قائلين: إن القوة التي تكمن في العلاقات الإجتماعية وفي ترابط البشر معاً قوة ذات تأثير فعال. فإن نوع الترابط بين الناس والذي بدوره يحدد إطار المجتمع الذي يتواجدون فيه إذ يحدد مبادئ وقيم الحياة لأفراد هذا المجتمع, هذا الترابط له تأثير صلب على نوعية الحياة التي نحياها إذ نجد أن قوة تأثير الأصدقاء والأصحاب على أحاسيسنا وطريقة تفكيرنا وأفعالنا شيء ظاهر وملحوظ.

بناءً على نتائج هذه البحوث والتجارب التي خاضها العالم عبر التاريخ وبناءً على الوضع الحالي الذي نعيش فيه نجد بأن الحل يكمن في تغيير وجهة نظرنا من العيش بمعتقد قانون الإستحقاق الذاتي إلى التفكير والعمل لأجل الصالح العام ووضع منفعة المجتمع بالدرجة الأولى بدلاً من المنفعة الشخصية للفرد أو للأقلية. فإن عمل الفرد من أجل الصالح العام ومن أجل منفعة الآخرين يعود علية بالمنفعة الشخصية والخير وبالتالي ينال ما يريده ويحقق مبتغاه ليس عن طريق الطمع والجشع بل من خلال العمل للمنفعة العامة والذي بدوره يؤدي إلى خلق التوازن والإستقرار في العالم بكامله.

من ناحية عملية نستطيع القول بأن الحل يلتزم في السعي وراء ثلاثة أهداف وهي:

١- ضمان الحاجة الضرورية لكل فرد من المجتمع

۲- ضمان السعي وراء تحقيق هذا الفكر في حساب الصالح العالم مستخدمين كافة وسائل الإعلام والإنترنت وكافة شبكات المجتمع.

٣- إستخدام مشاركة كل فرد في مجال عمله في المجتمع من أجل إدراك قدراته التي تكمن في داخله.

لتحقيق الهدف الأول يتوجب تشكيل فريق من الأخصائيين في علم الإقتصاد والخبراء والعلماء وأخصائيين من علماء الإجتماع والمسؤولين وأن يتضمن الفريق ممثلون من جميع دول العالم, ويجب على هذا الفريق إعداد ووضع خطة لإنشاء وتأسيس إقتصاد عادل ودائم. مدركين أن كلمة "إقتصاد عادل" لا تعني في مضمونها توزيع متساو ٍ للأموال والموارد الطبيعية أو الإنسانية بل المعنى المقصود به هنا هو في أن لا يُترك أي إنسان على وجه هذه الأرض من دون أن تتوفر لديه حاجات المعيشة الضرورية وأن تتوفر لديه العناية في تأمين حياة كريمة. فعلى سبيل المثال فإننا نجد أن الشاب الذي يعاني من المجاعة في كينيا لن يلزمه أحدث طراز هاتف نقال ولكن وبدون شك له الحق في أن يتوفر له الغذاء المناسب والعيش تحت سقف وليس في كوخ وتأمين بيئة يستطيع فيها الحصول على التعليم اللازم وأيضاً تأمين العناية الصحية واللازمة له. ولكن الأمر يختلف تماماً إذا كان هذا الشاب موجود في النروج ولديه أحدث آلآت التكنولوجيا من الكمبيوتر والآي فون ولكنه في الواقع تعيس ويائس من الحياة لدرجة أنه يقدم على الإنتحار أو على عمل ما هو أفظع من هذا إذ يقوم بقتل الآخرين كما حدث منذ عدة شهور ماضية. ففي تللك الحالتين نجد بأن حالة العسر والكرب مختلفة تماماً الواحدة عن الأخرى ولكن يجب إعتبار كلا الحالتين والإهتمام بكل منها وتوفير الحل المناسب آخذين بعين الإعتبار ما قاله السيد بول كروكمان الذي حاز على جائزة النوبل في الإقتصاد في سنة ٢٠٠۸ في مقاله الذي نُشر في جريدة النيويورك تايمز قائلاً: "الناس معاً في هذا العالم وكأن الجميع مُبحرين معاً في قارب واحد إذ لا يستطيع أي فرد عمل حفرة في قعر القارب مُدعياً بأن ما يقوم به هو من شأنه الخاص ولا يعني الآخرين".

لتحقيق الهدف الثاني يجب علينا تعديل وتغيير طريقة تفكيرنا والنظر إلى الأمور من منظور ما هو في مصلحة الجميع وليس من المنظور الأناني. وبما أن وسائل الإعلام هي الرائدة في تحديد نوعية تفكير الجميع تجاه كل شيء فلا بدَّ من أن تكون وسائل الإعلام هذه هي التي تعمل وعلى نفس مستوى فعالية التأثير على الرأي العام في تغيير وإزالة التفكير الأناني وعوائده المدمرة على البشرية وتبديله بالتفكير بالآخرين وبالصالح العام, فإذا أخذت وسائل الإعلام على عاتقها شرح الخطر المدمر الكامن في النهج الأناني الذي يفعم بحب الذات والأنانية في سحق كل ما أمام الشخص لهدف الوصول إلى ما يطمع في الحصول عليه وتوضيح فوائد التضامن الشامل والمتبادل بين أبناء البشر والذي يعود بدوره بالخير على الفرد نفسه وتعزيز فكر التعاون بين البشر بدلاً من التحيّز وإنعزال كل بلد عن الآخر هكذا نستطيع تغيير العالم للأفضل والعيش بإسقرار وإنسجام.

في خلق هذا النوع من التفكير في المجتمع نضمن إستمرارية المبادىء السامية والمبنية على المنفعة والصالح العام ونضمن بقاء المجتمع عادلاً ورحيماً وشفوقاً تجاه جميع أفراده مما ينعكس في تجاوب الناس مع المجتمع في إرادتهم في المساهمة والمشاركة في بناء هذا النوع من المجتمع.

أما بالنسبة للهدف الثالث ففي إطار جو التضامن بين أعضاء المجتمع وفي إستخدام الناس هذا النوع من الدافع في حث أنفسهم نحو العمل من أجل الصالح العام يجدون لأنفسهم تغزيز للذات من قبل أعضاء مجتمعهم فإنه من صالح المجتمع أن يشجع هؤلاء الأفراد ذو الطاقة والموهبة في بناء هذا النوع من التفكير والعمل على تطبيقه لخلق مستوى المعيشة الراقي لكل فرد في المجتمع الإنساني.وبالتالي يأخذ المجتمع على عاتقه في السعي نحو الضمان في إدراك وتقدير طاقة وإمكانية كل فرد وفي خدمة كل شخص بكل إمكانياته في تسخير قدراته للصالح العالم فإنه من صالح المجتمع إدراك هذا السلوك في هذا الشخص أو ذاك وتقديرهم . إن هذا النوع من التفكير يحرر المجتمع أيضاً من العيش في بيئة عدوانية يعمها الخصام والمنازعات وبدلاً من تدمير الإنسان للآخرين وسحقهم ليرتقي بأنانيته في إشباع غروره تنبع الطاقات في كل إنسان من خلال مواهبه العديدة وفي تشجيع وإحترام وتقدير المجتمع له تفيض هذه الطاقة في العمل على تحسين المجتمع وتوفير الفرص أمام الجميع مما يساهم في بناء المجتمع بشكل صحيح وبالتالي تظهر النتيجة في محق وإستئصال الإكتئاب من حياة الناس وبالنتيجة نحصل على تقدماً وتطوراً ملحوظاً في حصول الناس على الإكتفاء الحقيقي في الحياة.

وفي غضون شهور قليلة من العيش في هذا النوع من المجتمع الذي يسوده جو التعاطف وإرتباط أعضاءه في إطار الصالح العام نجد أن فكرة "المصلحة الشخصية" فكرة لم تعد مقبولة ولا يمكن لأحد إستيعابها أو إحتمالها لدرجة أنه يصبح من غير المطاق التفكير في أنه في يوم من الأيام كان هذا الفكر يعتبر جيداً. إن برهان النجاح الذي يعم المجتمع في هذه الحالة والسعادة التي تغمر الناس سيكون لها التأثير القوي ورد الفعل الفعال في تقوية بنية المجتمع وبالتالي خلق جو من الحيوية والإزدهار الدائم والثابت لمصلحة كل فرد مع عدم إهمال أي شخص أينما كان.

في واقع وزمن العولمة الذي نعيش فيه اليوم نجد أن بنية المجتمع القائمة على أساس الصالح العام وسعادة وخير كل إنسان يعيش فيه وعلى درجة متساوية هي البنية الوحيدة المتينة والمتماسكة لدعم المجتمع وجعله قادراً على الدوام والإستمرار.